الدرس الأوّل
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه، ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم اللهم تسليمًا كثيرا.
وبعد.. أيها الإخوة والأخوات، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، نحييكم من الأكاديمية الإسلامية المفتوحة في هذه الأمسية المباركة الطيبة، وسوف يكون حديثنا بإذن الله عن منهج البحث العلمي، أيضًا أرحب بإخوتي طلاب العلم الحضور في هذه الأكاديمية الطيبة المبارك -إن شاء الله.
أيها الإخوة، أيها الأخوات، كما ذكرت لكم في مستهل هذا الدرس أو هذه المحاضرة، أنه سوف يكون حديثنا عن البحث العلمي، ومنهج البحث العلمي، طرق البحث العلمي، خصائص البحث العلمي، وسوف نكون معكم إن شاء الله في عشرة دروس، أو عشر حلقات، أسأل الله -عز وجل- أن ينفع بها.
ولا شك أن البحث العلمي -إخوتي الكرام وأخواتي الكريمات في كل مكان، إخوتي الحضور: لا شك أن البحث العلمي هو مما يساعد على طلب العلم الذي حث عليه دينُنا العظيم، وديننا الحنيف، فقد حثنا الله -عز وجل- على ذلك، وكما ذكر أهل العلم. فقال الله -عز وجل- بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ﴿ يَرْفَعِ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا العِلْمَ دَرَجَاتٍ﴾ [المجادلة: 11] ، وقد أخبرنا -صلى الله عليه وسلم- أنَّ الملائكة تضع أجنحتها لطالب العلم رضًى بما يصنع، ولا شك أن فضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب، وكما جاء عنه -صلى الله عليه وسلم- في ذلك.
ومما ينبغي أن نستحضره في أمثال هذه المحاضرات في الأكاديمية وفي غيرها، أننا نحسن النية، فرسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومَن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة يَنكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه»، فنسأل الله -عز وجل- حسن النية والعمل، وأن يتقبل الله -عز وجل- منا ذلك.
أيها الإخوة الكرام والأخوات الكريمات، إخوتي طلاب العلم: لا شك أن البحث العلمي مهم جدًّا، معرفة معنى البحث العلمي، طرق البحث العلمي، خصائص البحث العلمي، وكل ما يتعلق بالبحث العلمي، وخاصة أيضًا طلاب وطالبات الأكاديمية، فالأكاديمية الإسلامية المفتوحة لها من اسمها نصيب، فالأكاديمية: تعني العلم، وتدريس العلم، ونشر العلم، وكذلك البحث عن المعلومة، وفحص المعلومة، وتدقيق المعلومة، فأنت وأنت تنتسبان إلى الأكاديمية، والأكاديمية كما ذكرت معناها تلقي العلوم والبحث عن العلوم والبحث عن الفائدة، والحكمة ضالة المؤمن، الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها أخذها، ولكن كيف يجدها ومتى يأخذها، هذا هو حديثنا -إن شاء الله- في هذه الدروس وهذه الحلقات.
نتحدث في هذا الدرس الأول عن حقيقة، عن المدلول اللغوي لكلمة: البحث العلمي، هل البحث العلمي له معانٍ لغوية ومعانٍ اصطلاحية؟
فنستهل هذا الدرس بحقيقة المعنى، بمعنى البحث العلمي، المعنى هو: المدلول، كلا الكلمتين تصب في مصب واحد، المعنى هو المدلول، والمدلول هو المعنى.
البحث العلمي، لا شك أن نسبته إلى العلم هي المقصود به العلم، العلوم أيـًّا كانت تلكم العلوم، سواء كانت علوم شرعية، سواء كانت علوم نظرية، تطبيقية، أيـًّا كان ذلك العلم، فالنسبة هنا إلى العلم أيـًّا كان ذلك العلم، ونحن هنا نتحدث عن ماذا؟ عن العلم الشرعي، لكن لعل الذي يحتاج إلى معنى لغوي هو قضية البحث معنا، يعني كلمة..، معنى كلمة: البحث، معناها أو مدلولها اللغوي، ومدلولها الاصطلاحي.
المدلول اللغوي -إخواني الكرام وأخواتي الكريمات في كل مكان-، معنى البحث في اللغة هو: طلب الشيء، أنت تطلب شيئا، تطلب معلومة، تطلب شيئا لم تكنْ تعلمُه من قبلُ، أو إثارته، ولذلك الآن البحث في الأرض يعني إثارة ذلك التراب، يقول الله -عز وجل-: ﴿ فَبَعَثَ اللهُ غُرَاباً يَبْحَثُ فِي الأَرْضِ ﴾ [المائدة: 31]، يعني يثير ذلكم الغبار ويحفر في الأرض، فأنت كأنك تُقلب عن تلك المعلومة، وتُثير أشياء كثيرة للخروج بمعلومة هي مبتغاك، وهي مرادك.
أيضًا من المدلول اللغوي لكلمة البحث: الفحص، الفحص والتدقيق، فهذه أيضًا من دلالات المعنى اللغوي، إذن نحن نخرج ونخلص بمعانٍ لكلمة البحث في اللغة، من ذلكم: طلب الشيء، والبحث عن ذلكم الشيء، إثارة ذلكم الشيء أو الأمر أو المعلومة، أيضًا فحصه بعد أن أطلبه، أو أنني أبحث عنه وأثيره، فإنني أفحصه وأدققه وأمحصه.
هذه الكلمات تشيرُ إلى أمور، هذه المعاني وهذه الدلالات لمعنى كلمة البحث العلمي تُشير إلى أمور، من هذه الأمور: طلب المجهول، يعني أنت تبحث وتطلب شيئًا لم تكنْ تعلمه من قبل، يعني شيئا مجهولا، أنت الآن حينما تبحث بحثا علميًّا، فإنك تطلب شيئا مجهولا لم يكن عندك عنه خبر.
والحقيقة هذا هو البحث العلم وهذا هو الذي ينبغي، ومما يدل جودة البحث العلم، أنك تبحث عن شيء مجهول لا تعلمه، أم عن شيء أنت تعلمه، أو أحد يلقنك عنوانًا للبحث، فهذا قد تضعف فيه الهمة، ولا يكون كالذي تنشأ عنده فكرة البحث من خلال قراءاته واطلاعاته وتنقيبه بين الكتب وبين المعلومة، واستخراج ذلك، فرق بين أن تُسدى إليك فكرة البحث بكل يسر وسهولة، فقد لا تتحمس إليها، وقد يكون الإنسان باردا في هذا الشأن، بينما نأتي إلى الآخر الذي يبحث عن شيء لم يكن يعلمه، ويثير أشياء لم يكن يعلمها من قبل ويُمحصها ويُدققها، فإنه سوف تخرج، يعني تسر الناظرين.
إذن: من مدلولاتِ هذه الكلمة التي هي البحث: طلب المجهول وأيضًا فحص ذلكم المجهول وتحليله وما إلى ذلك.
هناك أحد له سؤال في المعنى أو في المدلول اللغوي لكلمة البحث العلمي؟ هناك أحد له سؤال قبل أن ننتقل إلى المدلول الاصطلاحي للبحث العلمي، إذن هذا باختصار هو معنى البحث العلمي، البحث هو: طلب الشيء، إثارته فحصًا، العلم نسبة إلى العلوم.
نأتي إلى قضية المدلول الاصطلاحي أو المعنى الاصطلاحي للبحث العلمي، المعنى الاصطلاحي للبحث العلمي، عرفه الذين كتبوا في البحوث العلمية، أو في البحث العلمي، وهم كثر، ولهم دراسات في ذلك كثيرة، لكنني أتيت بما هو لعله ما هو مختصر ومفيد، لكي يسهل الفهم ويسهل حفظه لطلاب العلم، أو على الأقل يسهل المعلومة في أن يبقى شيء في الذهن.
تعريف العلماء للبحث والمدلول الاصطلاحي للبحث العلميِّ: أنه عملية علمية، إذن البحث أو مدلول البحث العلمي في الاصطلاح، أو المدلول الاصطلاحي للبحث العلمي هو: عملية علمية تجمع لها الحقائق والدراسات، يعني تجمع لها حقائق ودراسات حول موضوع معين دقيق ومتخصص، إذن هو عملية علمية، يعني يقوم الإنسان بعمل علمي بحت، هذا معنى عملية علمية، تجمع لها الحقائق والدراسات: يعني قد تكون أنت قد سبقت بدراسات، فأنت تجمع هذه الدراسات حول موضوع معين، ليس موضوعات، وانتبهوا معي في التعريف، حول موضوع معين، ليست عدة موضوعات، عدة موضوعات لا يسمى بحثًا علميًّا، وهذا ليس من المنهجية، وليس من الموضوعية، إذنْ عملية علمية تجمع لها الحقائق والدراسات حول موضوع معين ودقيق ومتخصص، وبالتالي يكون البحث هنا رائعًا، ويكون الباحث فيها -لا زلنا في التعريف أو المدلول- ويكون للباحث فيها، يعني هذه العملية العلمية البحثية التي جمع حولها دراسات، وجمع حولها حقائق، لا بد أن يكون للباحث فيها موقف، وهنا يُسمى شخصية البحث، سيمر بهذا إن شاء الله.
هنا تخرج شخصية الباحث، لا بد من خروج شخصية الباحث، وبروز شخصية الباحث، انظروا حتى في التعريف، حينما عرف العلماء والدارسين والباحثين والأكاديميين، حينما جاء منهم ذلكم التعريف، فإنهم أشاروا إلى أن يكون للباحث موقف، إذنْ حينما عرفه الباحثون والأكاديميُّون ومن له دراسة في ذلك، فإنه قال: لا بد أن يكون في العملية العلمية أن يكون للباحث موقف، يعني لا بد أن يكون له شخصية فيها موقف، من خلال ذلكم الموقف يتوصل إلى نتائج جديدة، من خلال ذلكم الموقف يتوصل الباحث إلى نتائج جديدة.
ولذلك نجد يا إخواني الكرام، وأخواتي الكريمات في كلِّ مكان؛ نجد أنه البحوث الجيدة والرائعة وخاصة الأكاديمية، نجد في الأخير، وفي الخاتمة ثمرات أو نتائج البحث، فيقول: وقد توصَّل الباحث، أو يقول عن نفسه: توصلت إلى: النتيجة الأولى، والثانية والثالثة، ولا يكتفي بذلك، بل يقول: وأُوصي بما يلي، يُوصي بكذا وبكذا، بدراسة كذا، وبالتوسُّع في كذا، وقد يوصي مثلاً جهات رسمية علمية وما إلى ذلك، وما يفعل ذلك إلا المتمكنُ من بحثه، ولا يفعل ذلك إلا من كان له موقف، أحسنت يا شيخ جنيد، ما يتوصل إلى ذلك إلا من كان له موقف من خلال بحثه، وقد أتقن بحثه، وأدرك أهمية بحثه، وعاش مع بحثه، وإن صح التعبير: تعارك مع بحثه كثيرًا، أصبح معه وأمسى معه، وأظهر معه، وبالتالي نجني ثمار البحوث، هذه البحوث القيمة التي تكون أوصافها هكذا.
إذن يكون للباحث فيها موقف، من خلال ذلكم الموقف نتوصل أو يتوصل إلى نتائج جديدة، تلكم النتائج هي الثمرات، التي أشرت إليها آنفًا، هي الثمرات أو هي الثمرة، وهي الغاية التي يريدها الباحث، بل وبسببها اختار ذلكم البحث، وبسببها اختار ذلكم البحث، ولا شك أن تلك النتائج تسمى إضافة جديدة، إذا رأيت تلكم النتائج وتلكم التوصيات فإنه بالتالي أضاف شيئًا جديدًا في البحث العلمي، أما جمع المعلومات هكذا من غير تمحيص ولا تحرير ولا رأي للباحث، فإن هذا فقط جمع، لا يعد إلا أن يكون جامعًا لتلكم المعلومات.
هذه الإضافة الجديدة نعتبرها هي العنصر الأساسي في البحث، الإضافة الجديدة هذه من التوصيات والنتائج ... وإلى آخره، ورأي الباحث وما إلى ذلك هي الإضافة التي تنفع الباحث وتنفع القارئ، وبالتالي تنفع طلاب العلم وتنفع المسلمين في كل مكان، ومما ينفع الباحث أيضًا بعد موته.
قد يتساءل سائل ويقول: يعني تلكم الإضافة الجديدة، وذلكم العنصر الأساسي كيف يكون؟ أو هل له مثلاً أقسام أو مثلا ترتيب معين؟
نقول: نعم، تلكم الإضافة إما فكرة جديدة يأتي بها الباحث الذي قرأ واطلع وبحث بجدية في ذلكم الموضوع أو تلكم المسألة المتخصصة، أو تلكم المسألة الدقيقة، إما أنه يأتي بفكرة جديدة، أو أنه أتى بحل لمشكلة، بعض الأحيان، ولذلك الآن في البحوث وفي خطط الرسائل العلمية في الجامعات لا بد من مشكلة للبحث لكي يكون البحث جيد ومقبول حتى في الجهات الرسمية للجامعات أو للأماكن الأكاديمية، لا بد أن يقدم الباحث خطة لبحثه سوف نتحدث عنها إن شاء الله في وقتها، ولكن يذكر في تلكم الخطة وذلكم المخطط لبحثه لرسالة سواء كانت ماجستير أو دكتوراه حتى لو كان بحث في البكالوريوس، أو كان بحث للترقية، أو بحثًا عامًّا لكنه يصح أن ينطبق عليه مسمى البحث العلمي، فإنه لا بد أن يأتي بمشكلة البحث، مشكلة للبحث يأتي بها، وهذه قد تكون من أصعب الأشياء في بيان مخطط أو بيان الموضوع في بيانه للناس، قد يدرك الطالب مشكلة البحث، لكن صياغتها قد تصعب بيان تلكم، أو يصعب بيان أو تلكم المشكلة، إذن حل المشكلة، يعني أنا عندي مشكلة الآن أريد أن أحلها، كيف أحلها؟ بالبحث العلمي، ثم في الأخير أتوصل إلى ماذا؟ إلى يعني حل تلكم المشكلة.
أيضًا إضافة إلى أن إما أن تكون فكرة جديدة أو حلاًّ لمشكلة أيضًا بيان لغموض، بيان لأمر غامض، أمر ليس بواضح، فالباحث هنا يُبينه ويوضحه وهذه إخوتي الكرام وأخواتي الكريمات في كل مكان، هذه من الإضافات الجديدة التي هي بيان لأمر كان غامضًا، فهو بعد أن يبحث ويطلع وفي الأخير يكشف ذلكم الغموض، ويزيل ذلكم الغموض.
أيضًا من الإضافات الجديدة، قد يكون جمع شتات، جمع يعني مسألة دقيقة، ولكن معلوماتها متشتتة في نواحٍ شتى، فهو أتى بها وجمعها وبينها وحللها، وفحص تلكم المعلومة، وأبدى رأيه فيها فإن هذا من الجديد، وكل جديد مما يصحُّ أن يتفقَ مع مدلول كلمة البحث، فإنَّه يعتبر إضافة جدية وعنصرًا جديدا من خلاله يتميز بحث ذلكم الباحث، إذن هذا معنى..، تحدثنا عنِ المدلول اللغوي لكلمة البحث والمدلول الاصطلاحي للبحث العلمي، تم شرح المدلول اللغوي والمدلول كذلك الاصطلاحي للبحث العلمي.
من خلال ما رأينا أو سمعنا، خاصة من خلال المدلول الاصطلاحي، فإنه يتضح لنا أمور، هذه الأمور لعلنا نُخرجُها عن مصطلح البحث العلمي، نُبينها لكي لا نقعَ فيها، فنحن طلاب علم، ونريد أن نكون باحثين ذوي تميُّز وبحوثنا تنفع، تنفعنا نحن أولاً وتنفع غيرنا وفعلاً يُطلق عليها اسم البحث، أو مسمى البحث العلمي، هُناك أمور لعلنا نُخرجها عن ذلك، وإن كانت فيها إشارات إلى قضية البحث العلمي، ولكننا نستطيع أن نقول: هي جزء من البحث العلمي، ولكن لا يصحُّ أن نطلق عليها مسمى البحث العلمي، فنقول: هذا قام ببحث علمي.
من ذلك: جمع المعلومات التاريخية، بعض الناس يأتي معلومات تاريخية دون ما يحلل ويدقق ويجمع تلكم المعلومات، ويكون له رأي في ذلك، ويخرج بنتائج، أما إذا فعل بحث ذلك، فإنه بحث علمي، لكن بعضهم فقط يأتي بالمعلومات التاريخية، وكأنه فقط جمع ذلك، فهذا أيضًا لا يسمى ولا يطلق عليه اسم البحث العلمي.
كذلك: جمع أو تأليف الكتب الدراسية، بعض الكتب الدراسية إلا إذا قُرر كتاب دراسي أصله كان بحثًا علميًّا، انطبقت عليه شروط البحث وخصائص البحث، ومبادئ البحث، فإن هذا يُسمى بحثًا، لكن بعض الكتاب الدراسية ما هي إلا أيضًا جمع معلومات، تُؤخذ معلومات.. كتب دراسية متخصصة، فيعني مثلا تؤخذ معلومات من مؤلفات معينة ثم يجمع ذلكم المقرر الدراسي، ويُعطى الطُّلاب من قبل الدوائر المتخصصة في ذلك، مثل وزارات التعليم والتربية ومن له شان في ذلك، فهذه لا تسمى بحوثًا أيضا، لا تُسمى بحوثًا علمية، فهي فقط جمع معلومات، نَستطيع أن نقول: هي فيها جزء من البحثِ، لكن لا يُطلق عليها بحث علمي، كذلك: تطوير بعض المشاريع العلمية، من غير أن يكون له أيضًا تحليل وفحص وما إلى ذلك، هذا أيضًا لا تسمى ولا تدخل تحت مسمى البحث العلمي.
المقالات أيضًا، المقالات الطويلة، وعلى هذا قس، يعني هناك أشياء يصح فيها كتابة وفيها قراءة وفيها كذا، لكن لا نستطيع أنْ نُسميها بحثًا علميًّا أبدًا، ما نسميها بحث علمي، مثل المقالات المطولة، بعض المقالات كثيرة، تأخذ عدة صفحات، فلا يصحُّ أن نُطلق على ذلكم المقال أنه بحث علمي، إذنْ لا زلنا نحن في المدلول الاصطلاحي، لا زلنا في قضية المدلول الاصطلاحي، ما أحد له سؤال ؟ تفضل..
{شيخ.. أحسن الله إليك، اتضح لنا من خلال المعنى الاصطلاحي أن البحث يكون في موضوع معين ومخصص، والإنسان الآن مثلاً طالب العلم إذا بحث مسألة مثلاً في فن الفقه، أو مثلاً بحث علمي في الفقه فيحتاج أن يرجع إلى الأدلة من الأحاديث والأسانيد حتى يعرف الصحة من الضعف، وقد يحتاج إلى استشهاداتٍ بالقرآن ومن السنة أو بعض كلام العلماء، فالآن بحث في أكثر من الفن، والمعنى الاصطلاحي يقول: هو بحث في شيء معين، فكيف يُجمع بين ذلك.}
الشيخ:
نعم، أخي الكريم.. أحسنت، سؤال طيب، هو الآن بحث في موضوع معين، حتى وإن كان هناك أدلة من كتاب الله تعالى ومن سنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-، فإنك تبقى أنت الآن تبحث في مسألة معينة، يعني أقصد بذلك أنت الآن عندك مثلاً عندك مسألة علمية، مثلاً..، تعطيني مثالاً في مسألة علمية بحثتها قريبًا، أو تريد أن تبحثها، دعنا نقول مثلاً عن الإيمان، الإيمان مثلًا في القرآن الكريم، فإنك..، أو الإيمان عمومًا، فإنك تستدل على الإيمان من الكتاب ومن السنة، ثم أقوال العلماء في ذلك، ثم كم وردت كملة مثلا الإيمان في ذلك، هذا فقط، يعني مثال، لكن لا أريد حينما تحدثنا في المدلول الاصطلاحي، لا أريد أن يتحدث مثلاً عن الإيمان وعن الصلاة وعن الزكاة وعن الصوم مثلاً، وكلما رأى شيئا جعله تحت بحثه، بل إنني أدعو إلى وأقول الحديث عن الإيمان يطول، أتمنى أن تأخذ جزئية من مثلا الإيمان، مسائل الإيمان مثلا كثيرة، يعني دعنا نقول: الإيمان، نأتي إلى أخص من ذلك فنقول مثلاً: الملائكة، أيضًا الحديث عن الملائكة، ولكن لو بحث عن الملائكة لا ضيرَ، لكن دعنا نأتي بأخص من ذلك وأدق فنقول مثلا: هؤلاء الملائكة مكلفون أم لا؟ انظرْ إلى المسألة، أنت الآن بحثتَ في الإيمان عمومًا، ثم خصصت ذلك، ضاقت الآن الدائرة بالملائكةِ، ثم لم تتحدثْ عن الملائكة عمومًا، بل أنت الآن تحدثتَ عن جزئية معينة، هل الملائكةُ مكلفون مثلاً؟ فتأتي وتبحث هذه المسألة، هذه سوف تفيد الكثير، أو هل الملائكة يتشكلون بصورٍ غير الصور التي خلقهم الله عليها، فمثلا تقول: يكون في سابق ذهنك أنهم فعلاً يتشكلون بالصور لكن الصور مثلاً الحسنة، وتبحث مثلا في هذا.
أو مثلا نأتي إلى قضية من قضايا الإيمان، فنقول: العمل، هل العمل يدخل في الإيمان، انظر فقط.. هل العمل يدخل في الإيمان أو لا؟ فتبحث فتخرج بنتيجة في الأخير أن العمل يدخل في الإيمان؛ لأن الله -عز وجل- يقول: ﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ﴾ [البقرة: 25] وهكذا..
{شيخ.. أحسن الله إليك، والآن يعني خرج عن المعنى الاصطلاحي، عندما يبحث في فن الحديث، أو يخرج مثلا يبحث مثلاً كون هذه الآيةن هل الاستشهاد بها صحيح في هذه المسألة الفقهية أم لا؟ وقد يستفيد من غير الفن الذي أراده بأكثر من استفادته من البحث يريد.}
الشيخ:
هذا، لا مانع، ولا يضرك هنا، بالعكس؛ هذا هو البحث، هذا هو البحث. أنت بحثت مسألة معينة دقيقة، نحن قلنا البحث أنك تُنقب وتجمع المعلومات، ثم بعد ذلك تأخذ ما يصلح لك، فأنا الآن، هذه أدوات البحث، هذه مراجع البحث التي أنت ذكرتها، فأنت لا بد أن ترجع إلى كتب اللغة وكتب الأدب أحيانًا، وقبل ذلك الكتاب والسنة، وكتب الفقه، وإن كانت المسألة عقدية إلا أنك قد تحتاج إلى كتب الفقه وهكذا..، يعني الرِّدة تُبحث في مسائل العقيدة، وتُبحث في مسائل الفقه، وأيضًا نستطيع أن نأخذَ معناها اللغوي، وأيضًا نرجع لكتاب الله ونرجع لسنة الرسول -صلى الله عليه وسلم-.
وبالتالي تكون هذه المسألة الدقيقة أو الصغيرة والقصيرة توسعت فيها أنت أيها الباحث، فلا ضير في ذلك، ولا يوجد هنا تضاد في هذا، بل بالعكس هذا هو البحث، يعني أنت الآن لو أتينا بمسألة مثلا شرعية، وهي مثلا دعنا نقول في العقيدة أو في الفقه أو أي فنون من فنون علوم الشريعة، إذا لم أرجع إلى الكتاب، ولا إلى السنة، ولا كتب أهل العلم، ولا كتب الفقه، كيف أبحث إذن! عرفت، فأنا أقول أنت تختار ..، لا تختار مسألة عائمة هكذا، أو مسألة كبيرة تحتاج إلى أن تكون مشروعا علميًّا، بعض الناس يختار في بحوثه مسألة كبيرة جدًّا أو موضوعًا فضفاضًا إن صح التعبير، وممكن أن يشترك معه خمسة أو ستة، يعني يصلح أن يكون سلسلة، أو يصلح أن يكون مشروع بحث، فهذا لا، الأفضل في ذلك كلما تخصصت، كلما كانت المسألة أخي الكريم دقيقة؛ كان البحث حسنًا، وكلما..؛ كان أجمل وأفضل، لعلها اتضحت..
{أي اتضحت}
الشيخ:
قبل أن ندخل في خصائص البحث العلمي، هناك سؤال عادة حقيقة يتبادر إلى الذهن، وعادة دائمًا طلاب العلم يسألون في ذلك الكثير، ألا وهو هل هناك حجم للبحث العلم؟ أنا أسألكم يا شباب، البحث العلم أيـًّا كان ذلكم البحث العلمي، هل له حجم معين؟ عدد أوراق مثلا معينة، مئة ورقة، مائتين، خمسمائة، ثلاثمائة، هل له حجم مثلا معين أو لا؟
{أقول يا شيخ: الظاهر من مؤلفات وبحوث العلماء أنه ليس له حجم معين، يختلف.}
الشيخ:
أحسنت، يختلف.
{يختلف من فن إلى آخر، وعلى حَسَبِ الموضوع.}
الشيخ:
وعلى حَسَبِ الموضوع، نعم.. هذا السؤال دائمًا يعني مسألة من قِبَل الباحثين ومن قِبَل طلاب العلم وكذا، يسألون..، ولذلك بعض الأحيان إذا كلفنا بعض الطلاب ببحوث أو كذا يقولون: كم ورقة؟ أنا حقيقة يُزعجني هذا السؤال، المسألة ما هي مسألة أن تجعل هذا البحث في قالب خمس أوراق أو عشرة أو عشرين وفقط، يعني لو قال لك المرشد أو المشرف على الرسالة، وسوف نتحدث ع المرشد والمشرف على البحث، لا سيما وأننا نتحدث عن البحث العلمي وفي أكاديمية مفتوحة، حقيقة هذا السؤال كأنك تجعل البحث في قالب معين، وهذا حقيقة لا يصح، أنا أرى أن هذا السؤال لا يصح، لأن البحث العلمي لا بد أن يأخذ طبيعته وتشبعه سواء وصل أربعين ورقة، خمسين ورقة، ستين ورقة، مئة ورقة، أقل من ذلك، أكثر من ذلك، ولا يكون همُّ الباحث، لا يكون همُّ الباحث أبدًا كم عدد الأوراق، وما هو الحجم، أو أنه يخشى أن يتضخم البحث أو كذا، طبعًا الباحث الناجح والذي يبحث فعلاً عن المعلومة، والمعلومة الدقيقة ويفرح بوجودها كأنه بُشر بغائبٍ يَنتظره منذ أمد، حينما يقتنص تلكم المعلومة، فإنه لن يسألَ عن عدد الأوراق أبدًا، لن يسألَ عن عدد الأوراق، ولا عن حَجم البحثِ، يجمع هذه المعلومات، ثم بعد ذلك يَأخذ الأصلحَ لبحْثِه منها، ويصيغها صِياغة طيبةً، ولا يَهتم بكثرةِ الأوراق، وقلة الأوراق.
{أقول يا شيخ: هل يصح أن يقال: أن البحث الناجح هو الذي يجعل البحث يجعل الموضوع..، يعني يجعل البحث يحتاج إلى الموضوع، لا العكس.}
الشيخ:
أعِدْ سؤالك.
{أقول: هل يصح أن يقال: أن البحث الناجح هو من يتبع البحث بالموضوع، لا يتبع الموضوع بالبحث.}
الشيخ:
هذا هو البحث الناجح، البحث الناجح أنك تعطي هذا الموضوع حقه، ويكون محتويًا هذا على إطار ذلكم العنوان، ولا يخرج عنه؛ لأنَّ بعض الناس كلما ظفر بمعلومة، قال: والله هذه جميلة، والله من الصعوبة أن أتركَ هذه المعلومة، ما أجمل هذه المعلومة! فكأنه جَعَلَ البحث بدلا من أن يكون البحث متخصصا ودقيقا، لا .. كأنه موسوعة! يعني جعل بحثه يلقف كل شيءٍ، وإن كان ذلكم الشيء جميلاً، إلا أنه قد لا يخص البحث، إذن السؤال عن حجم البحث ليس له موقع عندنا في بحوثنا العلمية التي نُريد أن تكون متميزةً، وتكون رائعة، هذه وجهة نظري؛ لأن الطول والقِصر للبحثِ ليس معيارًا لجودة البحث من عدمها.. نعم.
ننتقل إلى خصائص البحث العلم.
البحث العلميُّ له خصائص تُميزه عن غيرِه، ويختص بها عن غيره، ولذلك سُميت خصائص، البحث العلمي له خصائص تميزه عن غيره وتخصه عن غيره، فإذا لم تتوفر تلكم الخصائص فإننا لا نستطيع أن نسميه يعني بحثًا علميًا، إذا لم توجد تلكم الخصائص، هذه خصائص اختص بها البحث العلمي الذي يصح أن نطلق عليه مسمى البحث العلمي، ومن ذلكم الموضوعية والمنهجية.
نأتي إلى الموضوعية، يعني ينبغي أن تكون أو يكون بحثنا الذي نبحثه هذا وبين أيدينا أن يكون ذا موضوعية، كيف ذو موضوعية؟
الموضوعية هنا نستطيع أن نقسمها إلى قسمين، ولو أردنا أن نتحدثَ عن الموضوعية؛ لطال بنا المقام، لكنْ نأخذ الأهم في قضية الموضوعية، ونأخذ الأهم فيما يمكن أن نرتقيَ به أو ترتقي به بحوثنا إلى التميُّز، وإلى أن تسمى فعلاً بحوثًا علمية.
الموضوعية قلت إنها تنقسم إلى قسمين، أو نتحدث عنها من جانبين:
الجانب الأول: حصر الدراسة في موضوع البحث، يعني ما هو موضع البحث، الإيمان، عن الصلاة، عن أي مسألة مثلاً علمية، في البحث العلم، في الرسالة مثلًا العلمية، أيـًّا كان ذلكم البحث، نحن نتحدث عن البحث العلمي سواء الشرعي أو غيره، يعني نحن نتحدث عن البحث العلمي بإطلاق، سواء في علوم الشريعة عمومًا أو في السيرة، في التاريخ، في العلوم الأخرى، فلا بد أن يكون هناك موضوعية، هذه الموضوعية نتحدث عنها من جانبين، الجانب الأول: حصر الدراسة في موضوع البحث، يعني تبحث وتنقب وتقرأ وتطلع وتجمع المعلومات الخاصة بموضوع ذلكم البحث، لا تشتت نفسك، ولا تشتت بحثك، وبالتالي تشتت القارئ، وبالتالي لا يصح أن نسمي هذا بحثًا علميًّا، هذه هي الموضوعية من جانب حصر الدراسة في موضوع البحث، ولا تشتت نفسك، وكما ذكرت قبل قليل: ليست كل معلومة -وإن كانت جيدة- تصلح أن تكون في بحثك، لعلك تستفيد منها إذا وجدت شيئا، اجعلها مثلا في كراس أو في ملف معين لعلك تستفيد منها في يوم من الأيام، لا تذهب عنك، ولا تنساها، أي معلومة حاول أن تقتنصها، ولكن تجعلها جانبًا وتأخذ ما يهم أو ما يهم بحثك.
كذلك من الموضوعية: تجرد الباحث، يعني تجرد الباحث، وإنصاف الباحث، وعدل الباحث، هذه من الموضوعية، التجرد والإنصاف والعدل فيما يطرحه من أفكار، وفيما يطرحه على الآخرين، وفيما ينقله أيضًا عن ماذا؟ عن ماذا..، وفيما يطرحه يعني من أفكار، أو كذلك ما يقوله من ماذا؟ من أحكام. فأنت الآن لكي نسميك باحثًا موضوعيًّا، أو ذا موضوعية جيدة في بحثك، لا بد أن تتجرد من الأفكار السابقة، أو الأحكام التي في ذهنك قد حكمت بها قبل أن تبحث، وقبل أن تقرأ، وتجعل الأفكار التي ينبغي أن تدونَ، والأحكام التي ينبغي أن تصدرَ منك من خلال ما قرأتَ، ومن خلال ما محصتَ بكل إنصافٍ، وبكل عدلٍ وبكل تجردٍ من النزعات الشخصية، بمعنى لا بد أن يكونَ هذا البحث يعني لا يوجد فيه تحيز سواء من جانبك الشخصي أو من مؤثرات خارجية، هذا هو، وهذا يسمى عدل وإنصاف وموضوعية وتجرد، وهنا فعلاً يتبين لك شخصية الباحث، ولقد رأينا البحوث، ولعلكم رأيتم كذلك، البحوث التي فيها يعني صاحبها يحترم بحثه ويقدره فلا يكتب إلا في هذا الموضوع الذي اختاره، أو تلكم المسألة التي اختارها، وأيضًا تجد عنده تجرد تام، بحيث أنه لا يميل إلى نزعات نفسه، أو إلى المؤثرات الخارجية، يعني رأيناها أفادت، ورأينا القراء لها كثر، بل ورأينا المادحين لها بصدق، أيـًّا كانت تلكم البحوث، أو في أي فنون، فحري بنا نحن طلاب العلم أننا نكون أصحاب موضوعية في بحوثنا، بمعنى أننا اخترنا مسألة معينة وموضوع معين لا نخرج عنه، هذا أمر، لأن الذي يقرأ بحثك هو يبحث عن هذه المسألة، لا يريد التطويل والتشتيت و..و، إلى آخره. هذه ناحية، والناحية الثانية: يريد التجرد، يريد أن يأخذ المعلومة كما هي، ويأخذها بصدق، ولا يريد التعصب، ولا يريد مؤثرات يعني خارجية أيضًا، وبالتالي كما ذكرت لكم نحن أولى طلاب العلم والباحثين في العلم الشرعي أولى بالموضوعية من غيرنا.
إذن: من خصائص البحث العلمي: الموضوعية، وتحدثنا عن الموضوعية، وتحدثنا عنها من جانبين إخواني الكرام، الجانب الأول: حصر الدراسة في موضوع معين وعدم التشتيت والشتات، وكذلك تجرد الأفكار والأحكام من النَّزعات الشخصية، وعدم التحيز للأفكار أو الأشخاص، يعني تجنب المؤثرات سواء الداخلية منك أنت أيها الباحث، أو كانت يعني خارجية، أحد له سؤال في الموضوعية فليتفضل..
{شيخنا أحسن الله إليك.. ما هو ضابط الخروج عن الموضوعية في البحث العلمي؟}
الشيخ:
إذا خالف ما ذكرت، يعني ليس عنده عدل ولا إنصاف ولا موضوعية، وكان هناك شتات للأفكار ولم يدقق في بحثه، وخرج عن الموضوع، وكان هناك تعصب، وكان هناك مؤثرات أيـًّا كانت تلكم المؤثرات، داخلية أو خارجية، فهذا يعني بعيد عن الموضوعية.
الآن ننتقل إلى قضية المنهجية ، نحن تحدثنا عن الموضوعية وأيضًا من خصائص البحث العلمي: المنهجية، ولذلك تسمعون يقولون: صاحب هذا البحث ذو منهجية رائعة، أو هناك منهجية واضحة في بحثه، بينما مَن ليست له منهجية يقال: بحث من غير منهجية، وقد لا يطلق عليه أصلا بحث؛ لأن .. قد لا يطلق عليه أيضًا بحث علمي، لأنه خلا من المنهجية.
المنهجية يعني مأخوذة من المنهج، والمنهج معناه الطريق، نهج شيء أو انتهج شيئا؛ أي: اتخذ له طريقًا، والمنهجية هي الطريقة في البحث، والمقصود بالمنهجية هنا: هي الطريقة إلى جمع المعلومات وتدقيقها وتمحيصها، بعض الناس أو بعض الباحثين أو بعض البحوث تفتقد إلى المنهجية الواضحة في بيان المعلومات وتنظيمها ومثلًا ترتيبها، لا تجد مثلا لتلكم المعلومات إخواني الكرام لا تجدون لتلكم المعلومات عرضًا سليمًا، لا تجد تنسيقًا، لا تجد حتى عنوان البحث قد يكون مثلًا فيه ركاكة، هذا ليست من المنهجية، لا تجد هناك ترتيبًا منطقيًّا للأفكار وتسلسلها هذا ليس أيضًا ليس من المنهجية، لا تجد هناك تدرج من السهل مثلًا إلى الصعب، لأن القارئ يستفيد من هذه المنهجية حينما تكون وتتدرج من السهل إلى الصعب، أو من المعلوم إلى المجهول، أو من المسلمات إلى مثلاً الخلافيات، هذه الحقيقة منهجية رائعة، الانسجام بين الأفكار، بين الأبواب، أبواب البحث، أو فصول البحث، أو مباحث البحث، أو مطالب البحث، أو أفكار البحث عمومًا، الترابط في معلومات البحث، هذه من المنهجية، إذا افتقدت تلكم المنهجية، فإن البحث افتقد أحد خصائصه، فإن البحث فقد إحدى خصائصه، وبالتالي لا نستطيع أننا نسميه بحث علمي.
إذن: نحن تحدثنا عن البحث العلمي، معنى كلمة البحث العلمي في اللغة، مدلولها في الاصطلاح، عن أمور لا يمكن أنها تدخل في البحث العلمي، أيضًا تحدثنا عن قضية خصائص البحث، وذكرنا الموضوعية والحديث عنها من جانبين، وكذلك المنهجية.
هذا هو درسنا الأول من منهج البحث العلمي، والذي أسأل الله -عز وجل- أن ينفع به الإخوان والأخوات في كل مكان، وما حديثنا عن البحث العلمي والاهتمام به إلا لأننا نريد البحث العلمي الإسلامي المتميز الذي يُقرأ من قِبل المسلمين، ومن قِبل غيرهم، يقرأ في مشارق الأرض ومغاربها، نريد من الإخوة والأخوات وطلاب العلم جميعًا أن يكونوا من الباحثين المتميزين الذين يشار إلى بحوثهم بالبنان.
أشكركم على حسن الإصغاء، وأشكر الإخوة في الأستوديو، وأسأل الله -عز وجل- أن ينفعنا بما قلنا وبما سمعنا، سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.