بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين ، وعلى آله وصحبه والتابعين، أما بعــد:
فهذه خلاصة لأهم واجبات من يروم تحقيق مخطوطة أو إخراجها إلى النور ، أوجزها في الخطوات الآتية:
الخطوة الأولى:
إخلاص النية في إخراج العمل لله تعالى ، حبا في خدمة الشريعة السمحاء وعلومها، وتحديد العلم الذي يروم المحقق إخراج المخطوطة فيه ، وتحديد كمية لوحاتها ولو بشكل تقريبي ؛ لكي يسهل عليه البحث عنها ، ويفضل أن يحدد لنفسه سقفا زمنيا لإنجاز العمل.
الخطوة الثانية:
البحث عن المخطوطة في المضان والمكتبات العامة والخاصة التي يمكن ان تتوفر فيها ، وأهم الجهات التي يمكنه أن يبحث فيها:
( أ ) المكتبات العامة والكبرى في العالم الإسلامي ، والتي تنتشر فهارسها ويمكنه الوصول إليها ، كمكتبة الأزهر الشريف ومكتبة البلدية الإسكندرية في مصر ، وكالمكتبة الظاهرية (مكتبة الأسد الوطنية) في سوريا، وكالمكتبة القادرية ومكتبة الأوقاف العامة (مكتبة الوقف السني حاليا) ودار صدام للمخطوطات (دار المخطوطات الوطنية حاليا) ومكتبة أوقاف الموصل في العراق، وغيرها كثير.
(ب) المتاحف ودور الآثار والمقتنيات الأثرية، كالمخطوطات المتوفرة في المتحف العراقي في بغداد مثلا.
(ج) المكتبات الخاصة ، والتي يمكن أن تحتوي على مخطوطات بعضها يكون نفيسا ومهما جدا ، رغم أنه غير مفهرس وغير موثق رسميا.
ومن الجدير بالذكر أن الحصول على نسخة أو مجموعة من النسخ من مخطوطة معينة ، يعود إلى جهد الشخص الذي يروم التحقيق ومدى مثابرته وسعيه في هذا السبيل ، وإن للرجوع إلى أصحاب الاهتمام بهذا الشأن واستشارتهم أثر كبير في تسهيل الوصول إلى غايته ، وتذليل العقبات التي يمكن أن تواجهه بهذا الصدد.
هذا، ولابد للمحقق أن يجمع كل ما يتيسر له جمعه من نسخ المخطوطة التي قرر تحقيقها، وكلما ارتفع عدد النسخ المتوفرة لإنجاز العمل ، ارتفعت الموثوقية بما ينجزه هذا الباحث، وزادت الطمأنينة في نفس القارئ تجاه العمل الذي يقوم به.
فإن وجد الباحث المحقق صعوبة في تدبير كل ما علم وجوده من نسخ المخطوطة فلا ضير أن يعتمد على ما لا يقل عن ثلاث نسخ ، فإن عَدِمَ ذلك اكتفى بنسختين على الأقل ، وفي هذه الحالة تبقى ثغرة في عمله الذي يقوم به ، حاصلها أنه كان مقصرا في تدبير باقي النسخ ، وقد يستدرك عليه في عمله باحث آخر مستقبلا بسبب هفوات ربما يكون قد وقع فيها بسبب اعتماده على نسخ قليلة.
فإن لم يجد الباحث إلا نسخة واحدة فقط من المخطوطة وعجز عن تدبير نسخة ثانية لها ، اكتفى بها عندئذ وتكون النسخة التي بين يديه نسخة فريدة ، وهذه حالات نادرة جدا.
الخطوة الثالثة:
بعد أن يجمع عدة نسخ من المخطوطة التي يروم تحقيقها، يختار واحدة من هذه النسخ لتكون أصلا أو أماً يعتمد عليها ، ويقابل باقي النسخ عليها ، ويكون اختيار النسخة الأم أو الأصل مبنيا على ما يأتي:
( أ ) النسخة المكتوبة بخط المؤلف، أو المنسوخة على نسخة مكتوبة بخط المؤلف.
(ب) إذا كانت النسخة أقدم النسخ نَسْخاً، فإنها تكون أقرب النسخ إلى عصر المؤلف.
( ج ) النسخة الكاملة التي لم يدخلها نقص أو سقط أو تلف.
( د ) النسخة الواضحة ذات الخط الجيد.
(هـ) النسخة التي تمت مقابلتها على نسخة أخرى.
( و ) النسخة التي تضمنت حواشٍ وتعليقات.
الخطوة الرابعة:
يبدأ بنسخ النسخة الأم أو الأصل ، وأثناء النسخ يقوم بتحديد الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة وأسماء الأعلام وأسماء الكتب والأبيات الشعرية وأسماء الأماكن والأنهار التي ترد أثناء عملية النسخ ويؤشرها في مكان آخر ويحدد مواضعها لكي يسهل عليه الرجوع إليها.
ملاحظة أولى: عليه أن يراعي علامات الترقيم، وعلامات الترقيم هي علامات توضع بين أجزاء الكلام الغاية منها تمييز بعضها عن بعض، أو لتنويع الصوت عند قراءته، وإن أشهر علامات الترقيم:
1 – الفصلة (الفارزة) وترسم هكذا ،
والغرض من استعمال الفصلة هو أن يسكت القارئ سكتة يسيرة جدا؛ لتمييز بعض الكلام عن بعضه الآخر، وأهم استعمالاتها:
(أ) بين أنواع الشيء وأقسامه، مثل: أركان الصلاة القولية: تكبيرة الإحرام، وقراءة الفاتحة، وقراءة التشهد، والتسليم.
(ب) بين الجمل التي يتركب من مجموعها كلام تام، مثل: كتاب المبسوط للإمام السرخسي كتاب معتمد عند الحنفية، غزير الفائدة، وعليه الفتوى.
(ج) بعد لفظة المنادى، مثل: ياخالد، عليك بالعلم. ومثل: ياقارئ الفقه، عليك بفقه النعمان ابن ثابت.
2 – الفصلة المنقوطة (الفارزة المنقوطة) وترسم هكذا ؛
الغرض من استعمال الفصلة المنقوطة هو أن يقف القارئ عندها وقفة متوسطة أطول بقليل من سكتة الفصلة السابقة، وإن أكثر استعمال الفصلة المنقوطة يكون:
(أ) بين جملتين تكون الثانية سببا للأولى، أو مسببة عن الأولى، مثال الأول: درست الفقه؛ لأنه من أنفع العلوم، وأكثرها بركة. ومثال الثاني: الفقه من أنفع العلوم، وأكثرها بركة؛ فحرصت على أن أدرسه.
(ب) بين الجمل الطويلة التي يتألف من مجموعها كلام مفيد؛ لإمكان التنفس بين الجمل عند قراءته، مثل: إن المحقق لا ينظر إلى الجهد والوقت الذي استغرقه في تحقيق المخطوطة؛ وإنما ينظر إلى قيمة ما أنجزه وجودته وإتقانه.
3 – الوقفة وترسم هكذا .
توضع نقطة الوقفة في نهاية الجملة تامة المعنى، والمستوفية لجميع مكملاتها اللفظية، مثل: إذا لم تستح فاصنع ما شئت.
4 – النقطتان وترسم هكذا :
تستعمل النقطتان لتوضيح ما بعدهما من كلام مما قبله، وأكثر استعمالها:
(أ) قبل الأمثلة التي تُوْرَدُ لتوضيح قاعدة ما مثل: الصفة تتبع الموصوف، مثل: زيدٌ الجميلُ طالبٌ، وإنَّ زيداً الجميلَ طالبٌ، ومررتُ بزيدٍ الجميلِ.
وقبل الكلام الذي يوضح ما قبله، مثل: بعض أفعال الصلاة أركان: كالقيام والركوع والسجود ، وبعضها سنن: كجلسة الاستراحة.
(ب) بين القول والكلام المقول، مثل: وَلا تَصِحُّ الصَّلاةُ بِالنِّيَّةِ الْمُتَأَخِّرَةِ مِنَ التَّكْبِيْرِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَقَالَ الْكَرْخِيُّ -رَحِمَهُ اللهُ-: تَجُوْزُ النِّيَّةُ الْمُتَأَخِّرَةُ قِيْلَ: إِلَى الثَّنَاءِ، وَقِيْلَ: إِلَى التَّعَوُّذِ، وَقِيْل: إِلَى الرُّكُوْعِ.
(ج) بين الشيء وأقسامه أو أنواعه، مثل: وَاعْلَمْ أَنَّ شُرُوْطَ التَّيَمُّمِ خَمْسَةٌ: النِّيَّةُ والْمَسْحُ والصَّعِيْدُ وكَوْنُ الصَّعِيْدِ طَاهِراً والْعَجْزُ عَنِ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ.
5 – علامة الاستفهام وترسم هكذا ؟
تكون في آخر الجملة الاستفهامية، مثل: كيف يكون التيمم ؟ متى تنجز التحقيق؟ أين وصلت في نسخ المخطوطة ؟
6 - علامة التأثر (علامة التعجب) وترسم هكذا !
تستعمل هذه العلامة في آخر الجملة التي تتضمن تعبيرا عن حزن أو فرح أو تعجب أو استغاثة أو دعاء، مثل: وا أسفاه لموت العالم! رحمه الله تعالى ! ومثل: بشرى ! أنجزت تحقيق المخطوطة!
7 – علامة التنصيص (قوسان مزدوجان) وترسم هكذا (( ))
تستعمل هذه العلامة ليوضع في داخلها الكلام الذي يتم نقله بالنص والحرف، مثل: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : ((خيركم من تعلم القرآن وعلمه))، ومثل: وَلِلآفَاقِيِّ أَنْ يَتَوَجَّهَ إِلَى الْجِهَةِ الَّتِي فِيْهَا الْكَعْبَةُ ، قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: ((هُوَ الصَّحِيْحُ)).
8 – الشرطة وترسم هكذا -
يكون استعمالها بين العدد والمعدود إذا تم تصدير العدد في بداية السطر، مثل: أركان الوضوء عند الحنفية أربعة:
الأول – غسل الوجه.
الثاني – غسل اليدين إلى المرفقين.
الثالث – مسح ربع الرأس.
الرابع – غسل القدمين إلى الكعبين.
وتستعمل أيضا لحصر الجمل الاعتراضية ، مثل: مذهب أبي حنيفة -رحمه الله- الأوسع انتشارا في بلاد ما وراء النهر، ومثل: توفي الشافعي –عليه الرحمة والرضوان- في مدينة القاهرة بمصر –حرسها الله- .
وبعضهم يفضل استعمال القوسين المفردين لحصر الجمل الاعتراضية.
9 - القوسان وترسم هكذا ( )
يستعمل القوسان المفردان لحصر الجمل الاعتراضية، بدلا عن الشرطة أو الوصلة التي ذكرناها في النقطة السابقة، والمحقق بالخيار في ذلك على أن يلتزم بطريقة واحدة في تحقيقه ولا يلفق بين الأمرين.
10 – علامة الحذف وترسم هكذا ...
تستعمل هذه العلامة للدلالة على كلام محذوف عند إرادة الاقتصار على المهم منه، مثل: الإمام محمد بن الفضل الكماري البخاري ، تفقه على السبذموني المعروف بالأستاذ ، اشتهر علمه وفقهه ... وقد أخذ عنه القاضي أبو علي الحسين بن الخضر النسفي ، والحاكم الشهيد ، وعبد الرحمن بن محمد الكاتب وغيرهم ... توفي سنة 381هـ.
11 – المعقوفان وترسم هكذا [ ]
تستعمل هذه العلامة لحصر كلام يكون ساقطا من بعض النسخ ، أو زائدا فيها، مثل: وَلَوْ كَانَ الْمُصَلِّي مَرِيْضاً لا يَقْدِرُ عَلَى التَّوَجُّهِ إِلَى الْقِبْلَةِ [وَلَيْسَ مَعَهُ أَحَدٌ يُوَجِّهُهُ] ، أَوْ كَانَ يَقْدِرُ عَلَى التَّوَجُّهِ إِلاَّ أَنَّهُ ... .
ملاحظة ثانية: لا يجوز أن يتصدر في بداية السطر أي علامة من العلامات أعلاه باستثناء القوسان ( ... ) أو علامة التنصيص القوسان المزدوجان (( ... )).
ملاحظة ثالثة: تُوثَّقُ النصوص التي ينقلها صاحب المخطوطة من مصادرها الأصلية إن وجدت، وإلا فمن أي مصدر مماثل شريطة أن يكون أقدم زمنا من المخطوطة.