لم تتفق البشرية قط مثل ما اتفقت في الموت, فالموت كأس و كل الناس شاربه, إلا أن مذاهبهم فيه شتى, فمنهم من يعده نكدا و غصة تنغص مرارة حلاوة الدنيا و تقطع عن التمتلع و التتلذ فيها, و هم قوم أركستهم أعمالهم فأخلدوا إلى الأرض و اطمأنوا لها, و منهم من رأى الموت راحة و نعمة, راحة من وصب الدنيا دار العمل, و انتقال إلى دار الجزاء و الحساب, و الموت عندهم يقطعك عن الدنيا و أهلها, و يوصلهم إلى دار القرار و الخلود, فلا غرو بعد هذا أن تختلف مشاربهم و مذاهبهم, فشتان بين مشرق و مغرب, إلا أن الناظر اليوم في مواعظ الواعظين و خطب الخطباء و كلمات الدعاة أن التخويف اليوم أصبح بطبيعة الموت و ما فيه من سكرات, و هي حالات و مراحل الانسان فيها ميسر لا مخير, فلن ينجو منها أحد و لن يتخلف عنها عبد, و لكن العاقل من نظر لما بعدها, فهناك البون الشاسع, و الفراق العظيم الذي لا التقاء بعده, فريق في الجنة و فريق في السعير, و هذه المنازل بعد توفيق الله و مغفرته من كسب العبد و صنعه, فلها يشمر المشمرون, و لها يطير النوم من العبد الصالح في ظلمات الليلة الشاتية المطيرة.
و بعد هذا أقول حسب بالموت واعظا لابن آدم, فمن عرف الموت عرف أن أحق الناس بالحزن و طول الهم و الكمد الظالم لا المظلوم, و الغني لا الفقير, و الوزير لا الحقير, و القوي لا الضعيف, فهناك كل بما جنت يداه مرتهن, و عن أعماله مسأول, فأعد للسؤال جوابا.
اللهم يارب أنا نسألك رحمة لا تسخط علينا بعدها أبدا, و مغفرة تستر بها عيوبنا, و رزقنا حلالا تغنينا به عمن سواك, اللهم آمين,,,