= برهان الإسلام الزُّرنوجي ( رحمه الله ) : ( * )
هو الإمام برهان الإسلام الزُّرنوجي- وقد يُسمى ( برهان الدين الزُّرنوجي ) - الذي يُنسب إلى ( زُرْنوج ) وهي بلد مشهور من أعمال تركستان . عاش في خراسان في الفترة ما بين أواخر القرن السادس وأوائل القرن السابع الهجري ، وليس هناك تاريخ محدد لوفاته إلا أنها انحصرت فيما بين عامي ( 593هـ - 620هـ ) . والإمام الزُّرنوجي واحدٌ ممن يُشار إليهم بالبنان في مجال الفقه ، والعلم الشرعي ، والأدب والنثر ، وكان ممن أُجيز في التعليم والإفتاء ؛ إلا أن تُراثه العلمي انحصر في كتابه التربوي القيم ( تعليم المتعلم طريق التعلم ) الذي يبدو أنه ألفه بعد ممارسةٍ طويلةٍ للتعليم ، والذي يُشتق جُل ما عُرف عن هذا الإمام من هذا الكتاب الصغير ؛حتى قيل :
\" كأن الزُّرنوجي في التاريخ هو تعليم المتعلم ، أو كأن تعليم المتعلم في الفكر التربوي هو الزُّرنوجي \".
وقد حظي هذا الكتاب بمكانةٍ علميةٍ كبيرةٍ ؛ حيث يُعد مع كتاب ( الرسالة المُفصلة لأحوال المعلمين وأحكام المعلمين والمتعلمين ) للقابسي القيرواني ، أهم كتابين في التربية الإسلامية في الثقافة العربية الإسلامية القديمة . كما تُرجم إلى اللغات : اللاتينية ، والتركية ، والفارسية ، والفرنسية ، والإنجليزية . وما ذلك إلا لشهرته وسعة انتشاره وحاجة الناس إليه ؛ ولا سيما أنه يُعد أول كتابٍ في طرائق التدريس يتحدث عن التعليم الذاتي ، وآدابه ، وأساليبه ، ويجمع بين النظرية التربوية التطبيقية وبين الرؤية التعبدية الشرعية بصورةٍ مُتجانسةٍ مُندمجةٍ تُجسِّد التكامل الحقيقي بين الجانبين الإيماني والسلوكي .
== من الاهتمامات التربوية لبرهان الإسلام الزرنوجي :
يمكن التعرف على اهتمامات الإمام الزُّرنوجي التربوية من خلال ما اشتمل عليه كتابه الذي تضمن ثلاثة عشر فصلاً يمكن من خلاله تعرُّف أهم اهتماماته التربوية التي منها :
( 1 ) تأكيد أهمية طلب العلم وضرورة تعظيم العلم وأهله. والتأكيد على أن غاية العلم تتمثل في إصلاح حياة الفرد والمجتمع ، ولذا فليس لدى الزُّرنوجي مبدأ طلب العلم لذات العلم فقط . كما قرَّر أنه لا ينبغي أن يكون العلم وسيلةً رخيصةً لاكتساب المال والجاه .
( 2 ) تغليب الطابع العملي التطبيقي على تناوله لمادة الكتاب التي أراد بها كما أشار إلى ذلك أن يُبيّن طرائق التعليم وشرائطه ، وبناءً على ذلك فقد قسَّم العلوم حسب الاحتياج إليها والغاية منها إلى ثلاثة أقسام هي :
• العلم الضروري الذي لا تستقيم حياة الفرد الدينية والدنيوية إلا به ؛ فهذا واجبٌ شرعاً ، وعلى كل فردٍ تعلمه .
• العلوم التي يحتاج إليها الفرد أحياناً كعلم الطب والصناعة والدفاع ، وحكمها فرض كفاية على المجتمع .
• العلم المرض ، وهو العلم المُحَرَّم لأنه يضر ولا ينفع مثل علم السِحر والتنجيم وما شابهها .
( 3 ) اهتمامه بجميع جوانب شخصية المتعلم الانفعالية ( سواء كانت إيجابيةً أو سلبية ) ، والعقلية ( الحفظ والنسيان والمراجعة ) و الاجتماعية ( الصحبة أو الرفقة ) ، و الصحية ( البدن أو النفس ) . واللافت للنظر أن اهتمام الزُّرنوجي بجوانب شخصية المتعلم يؤكد ترابطها وتفاعلها ، وتأثير بعضها في بعض تأثيراً متبادلاً .
( 4 ) إن كثيراً من المبادئ التربوية التي تُنسب إلى مُفكرين آخرين قد سبق تأصيلها وتأطيرها ووضع قواعد لها في الثقافة الإسلامية .
( 5 ) يرى الزُّرنوجي أن الأنشطة الاجتماعية في التعلم أو المُمارسات التعليمية عنصر أساسي من عناصر نسق التعلم ؛ لأنها ترتبط ارتباطـاً وثيقًّا وتبادليـاً بالعناصر الأُخرى . ومما يُميز أنشطة التعلم ومُمارساته عند الإمام الزُّرنوجي الخصائص التـالية : ( التنوع ، الحيوية ، الاستمرار ، التدرج ، التكرار ) .
( 6 ) إن الدور الرئيس والحاسم للمعلم في حياة التلميذ العلمية ليس فقط فيما يقوله ويعلَّمه ؛ بل في سلوكه والاقتداء به .
( 7 ) أهمية اختيار الشريك في التعلم ، وأن يكون الاختيار للشريك المُجد ، الورع ، وصاحب الطبع المستقيم ، وأن يفِر من الكسلان ، والمُعطِّل ، والمكثار ، والمُفسِد ، والفتَّان .
( 8 ) أن الحفظ والنسيان يُعدان نشاطاً عقليًّا معرفيًّا ؛ وأن هناك عوامل تورث الحفظ ، وأُخرى تورث النسيان ، وأن هذه العوامل ( سواء كانت للحفظ ، أو النسيان ) يمكن أن تُصنَّف إلى عوامل نفسية ، وعوامل بدنية .
( 9 ) أهمية استثمار الوقت ، واستخدام كل الأساليب الممكنة لتوثيق المعلومات وعدم الاعتماد على الذاكرة فقط ، لأنها قد تخطئ في كثيرٍ من الأحيان مستشهداً بقوله : \" من حفِظ فرَّ ، ومن كتب قرَّ\" والمعنى أن المحفوظ عرضة للنسيان ، أما المكتوب فيقِرُ ويثبُت .
=-=-=-=